يمثل البحث العلمي والأمن الغذائي والبيئي أحد ركائز التنمية المستدامة في ليبيا، فالغذاء الصحي والبيئة المتوازنة هما أساس بناء الإنسان والمجتمع القادر على الإسهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
تتمتع ليبيا بمقومات طبيعية مهمة، من أراضٍ زراعية خصبة إلى موارد مائية محدودة لكنها حيوية، يمكن استثمارها لإنتاج القمح والشعير وسائر المحاصيل الغذائية الأساسية. ومن أجل دعم هذا القطاع، تأسست المعاهد والكليات المتخصصة في الزراعة وعلوم الغذاء والإنتاج الحيواني والبيئة، كان من أبرزها المعهد العالي للتقنية في علوم البيئة الذي تحول لاحقاً إلى كلية العلوم البنية والتقنية بجامعة وادي الشاطئ.
على مدار نحو نصف قرن، ساهمت الكلية في تخريج كوادر علمية وطنية وخبراء وباحثين انتشروا في الجامعات والمؤسسات البحثية، ولعبت دوراً محورياً في المجتمع من خلال المؤتمرات والندوات العلمية وأبحاث التخرج والدراسات العليا، لتشكل بيت خبرة وطني يمكن الاستفادة منه في التخطيط الزراعي والصناعي والغذائي.
وفي إطار دورها العلمي، اختتم اليوم 15 أكتوبر 2025 المؤتمر الدولي الثالث للغذاء والتغذية في رحاب كلية علوم الأغذية بجامعة وادي الشاطئ، حيث قدم المشاركون ورقات علمية ودراسات بحثية جديدة تناولت أحدث المستجدات في علوم الغذاء والتغذية وأساليب تحسين جودة الإنتاج الغذائي. وقد أتاح المؤتمر للباحثين والعلماء من خريجي الكلية والمشاركين دولياً تبادل الخبرات، ما يعزز مكانة الجامعة كمركز علمي رائد قادر على المساهمة في التنمية المستدامة وتحقيق الأمن الغذائي.
ورغم الإنجازات العلمية المتراكمة، فإن الإمكانات لم تجد طريقها الكامل للتطبيق العملي، فالاعتماد على الاستيراد وضعف السياسات الاقتصادية المستقرة، والتحولات من القطاع الخاص إلى العام، أعاقت بناء منظومة إنتاجية وطنية تربط بين الزراعة والصناعة والبيئة، وتوظف الخبرات الوطنية بشكل أمثل.
ولا يمكن لمؤسساتنا العلمية أن تحقق ثمارها ما لم تُدعَم بمراكز بحثية قوية، ووزارات تعمل وفق خطط واستراتيجيات مدروسة، لأن تقدم الدول يبدأ بالاهتمام بالبحث العلمي وجامعات قوية ترتبط بصانع القرار، وليس مجرد جامعات تخرج طلبة يبحثون عن وظائف. فالربط بين الجامعة والمجتمع هو ما يصنع الفرق، كما تظهر تجارب دول حققت نهضتها بالعلم ودور الجامعات ومراكز الأبحاث.
وبعد نصف قرن من التأسيس، ما تزال كلية العلوم البنية والتقنية تواصل مسيرتها العلمية بثقة، مع عقد المؤتمرات والندوات المحلية والدولية، حيث يلتقي الباحثون والخبراء من خريجيها لتبادل المعرفة والمشاركة في مشاريع علمية رائدة، وهو ما يعكس قدرتها على المنافسة في أفضل المراكز البحثية العالمية ويعطي الثقة في إمكاناتها رغم التحديات القائمة.
يبقى المطلوب الآن إعطاء البحث العلمي الأولوية القصوى، وتوظيف الكفاءات الوطنية في خدمة الدولة والمجتمع، لبناء مؤسسات قوية قادرة على اللحاق بما فات ليبيا، وضمان الأمن الغذائي، الاستدامة البيئية، والنهضة الاقتصادية.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.