وضعت الحكومة السودانية اشتراطات واضحة أمام الآلية التقنية للمجموعة الرباعية بشأن مقترح الهدنة الإنسانية، لم تأتِ تعنتاً أو رفضاً مضمراً، بل جاءت في رأيي استناداً إلى تجارب مريرة وحقائق دامغة كشفتها الأيام الأولى للحرب. فالحكومة، وهي تتحمل مسؤوليتها الدستورية والأخلاقية في حماية البلاد وصون سيادتها، أكدت أن أي هدنة لا بد أن تكون مُحكمة الضوابط، تضمن سلامة المدنيين، وتقطع الطريق أمام محاولات إعادة تموضع ميليشيا الدعم السريع أو تسليحها من جديد كما حدث عقب الهدن السابقة.
فقد اشترطت الحكومة انسحاب الميليشيا من المناطق التي احتلتها، ونشر قوات الشرطة السودانية في المدن والمناطق التي تنسحب منها، مع تجميع عناصر الميليشيا في مواقع محددة متفق عليها، وإخضاعها لآلية مراقبة دولية صارمة تمنع تدفق السلاح والمعدات العسكرية إليها خلال فترة الهدنة. وهي شروط آري أنها تمثل جوهر أي عملية سلام حقيقية، لأنها تربط الهدنة بمفهوم الدولة وسيادتها، لا بمنطق الميليشيا وسلاحها.
لقد أثبتت الوقائع أن الهدن التي لا تُضبط بشروط واضحة تُصبح غطاءً لإعادة التنظيم والتسليح والتمدد، وهو ما قاد إلى مآسٍ إنسانية مروعة في مدن مثل الفاشر ونيالا والجزيرة، حيث ارتكبت الميليشيا فظائع لا يمكن أن تمر دون محاسبة.
أعتقد إن أهمية موقف الحكومة تكمن في أنه لا يُعطل مسار السلام، بل يضع له أسساً صلبة تحمي أمن الوطن وتمنع تحويل الهدنة إلى هدنةٍ مخادعة، تُستغل لإطالة أمد الحرب. فالسودان اليوم في مفترق طرق، ولا خيار أمامه سوى التمسك بسيادته الوطنية، والحفاظ على مؤسساته الشرعية، ورفض أي تسوية تُضعف سلطته أو تُبقي على سلاحٍ خارج يد الدولة.
دون شك إن السلام الحقيقي لا يُولد من تنازلات مبهمة، بل من وضوح الرؤية وثبات المبدأ، وهذا ما عبّرت عنه الحكومة السودانية بجلاء في اشتراطاتها التي تمثل، في جوهرها، دفاعاً عن الوطن وحقه في البقاء آمناً وموحداً.
khalidfaki77@gmail.com

